Читать книгу: «السعي من أجل البطولة », страница 13

Шрифт:

الفصل الخامس والعشرون

مشت جويندولين وحيدةً خلال القلعة, متخذةً الدرج الحلزوني الذي يلّف ويدور حتى يصل إلى الأعلى. كان تفكيرها منشغلاً بتور بشكل كامل, بمسيرتهم معاً وبالقبلة التي حصلت, و بعد ذلك بالثعبان الذي ظهر لهم فجأةً.

كانت مشاعرها مختلطةً جداً. من ناحية كانت مبتهجةً لأنها كانت معه, ومن الناحية الأخرى كانت مضطربةٍ بسبب الرعب الذي سببه ذاك الثعبان, من نذير الموت الذي جلبه لهم. ولكنه لم تعرف لمن كان هذا النذير وأيضاً لم تستطع إيقاف عقلها عن التفكير به. كانت تخشى أن يكون شخصاً من افراد عائلتها, هل من الممكن أن يكون أحد أشقائها؟ غودفري؟ كندريك؟ هل من الممكن أن تكون والدتها؟ أو, كانت ترتجف من مجرد التفكير بذلك, والدها؟

كان مشهد ذلك الثعبان يلقي بظلاله الحزينة على يومها السعيد هذا, وخلال لحظات تعكّر مزاجها بشكلٍ كامل, ولن تتمكن من العودة كما كانت فرحةً من قبل أبداً. كانا قد اتخذا طريق العودة معاً وهما عائدان إلى البلاط الملكي, ثمّ افترقا واتخذت الطريق اليميني الخارج من الغابة كي لا يراهما أحدٌ معاً. كان آخر شيءٌ تريده أن تعرف والدتها أنهما كانا معاً. ولكن جوين لن تتخلى عن تور بسهولة, سوف تجد وسيلةٌ لمواجهة والدتها في هذا الأمر , ولكنها كانت تحتاج إلى بعض الوقت لمعرفة الطريقة التي ستتبعها من أجل ذلك.

كان مؤلماً جداً أن تبتعد عن تور, مجرد التفكير في ذلك كان يشعرها بالألم. كانت تخطط لأن تسأله إذا كانا سيتقابلان مرةً أخرى, كان من المفترض أن يقوما بوضع خطةٍ من أجل يومٍ آخر. ولكنها كانت في حالة ذهول كانت مذهولةً بسبب ذاك الثعبان الذي رأوه مما جعلها تنسى ذلك. الآن هي تشعر بالقلق من إن كان يعتقد أنها لا تهتم لأمره.

بمجرد وصولها إلى البلاط الملكي, قام خادم والدها باستدعائها فوراً. كانت تصعد السلالم وقلبها بخفق بشدّةٍ منذ أن أخبرها الخادم بذلك, وتتساءل عن سبب استدعاء والدها لها. هل رآها أحدٌ ما مع تور؟ أم من الممكن أن يكون هناك سبب آخر يريد والدها رؤيتها على وجه السرعة من أجله. هل من الممكن أن يكون هو أيضاً سيمنعها من رؤيته؟ لقد كان صعباً عليها أن تتصور ذلك, لقد كان والدها دائما بجانبها ويساندها.

وأخيراً وصلت جوين إلى الأعلى بعد أن كادت أنفاسها أن تنقطع. اتجهت بسرعةٍ إلى آخر الممر غير منتبهةٍ إلى الموجودين في الممر و فتحت باب غرفة والدها بسرعة. كان هناك اثنان من الخدم ينتظرون في الداخل, و انحنيا عند دخولها.

"اتركانا وحدنا!" قال والدها للخدم.

انحنى الخدم ثمّ خرجوا بسرعةٍ من الغرفة مغلقين الباب خلفهما مع صدىً تردد لإغلاق الباب.

نهض والدها من على مكتبه مع ابتسامةٍ كبيرةٍ تعلو وجهه, ثمّ اتجه نحوها من خلال الغرفة الواسعة. شعرت جوين ببعض الهدوء, كما كانت تشعر دائماً عند رؤيته, وشعرت أيضاً بالارتياح لعدم رؤية أيّ تعابير غضبٍ على وجهه.

"ابنتي جويندولين العزيزية," قال الملك.

قام بفتح ذراعيه واحتضنها في عناقٍ كبير, و قامت هي أيضاً بضمه. ثمّ قام بوضع يده على ظهرها مشيراً لها بالتوجه إلى كرسيين كبيرين موضوعين بجانب نارٍ مستعرة. كان هناك عدةٍ كلاب كبيرة, من الكلاب الذئبية الإيرلندية التي كانت تعرفها منذ أن كانت طفلة, تبعوهما باتجاه النار. اثنان منهما مشيا خلفها ثمّ وضعا رأساهما على حضنها. كانت مسرورةٍ لوجود النار في المكان, لقد كان الجو بارداً بعض الشيء على غير العادة في هذا اليوم الصيفي.

انحنى والدها قليلاً نحو النار وهو يحدق في النار التي كانت تأزّ أمامه.

"هل تعرفين لماذا قمت باستدعائك؟" سألها والدها.

كانت تحدق في وجهه وهي لا تزال في حيرةٍ من أمرها لاستدعائها.

"لا أعرف يا أبي," قالت جوين.

نظر إليها مرةً أخرى متفاجئاً.

"لدينا مناقشةٌ مع إخوتك خلال عدة أيام, بشأن وليّ العهد والملكية. هذا ما أردت مناقشته معك."

شعر قلبها ببعض الراحة لسماع ذلك, لم يكن لتور علاقةٌ بالأمر. كان الأمر حول السياسة, السياسة الغبيّة, التي لم يكن يمكنها أن تهتم لأمرها أبداً. تنهدّت قليلاً.

"لقد بدا عليك بعض الارتياح, ما الذي كنت تعتقدين أننا سنقوم بمناقشته؟" قال الملك.

كان والدها شديد الإدراك و الملاحظة كعادته دائماً. كان واحداً من هؤلاء الناس القليلين الذين يمكنهم قراءتك كالكتاب المفتوح أمامهم. كان عليها أن تكون حذرةً بشأن ذلك.

"لا شيء يا أبتي." قالت بسرعة.

ابتسم مرةً أخرى.

"حسناً, أخبريني الآن ما رأيك في اختياري؟" سألها.

"اختيارك؟" قالت متفاجئةً.

"اختيارك وريثتي و ولية العهد من بعدي! لهذه المملكة!"

"أنت تقصدني؟" سألته جوين.

"ومن غيرك؟" قال ضاحكاً.

احمر وجهها خجلاً.

"أبي, لقد فاجأتني بذلك, أقل ما يقال, أنا لست ابنك البكر وأنا امرأة ولا أعرف شيئاً عن السياسة. ولا أهتم بشيءٍ حول هذه المملكة أو حول الحكم. ولا أملك أي طموحات سياسية , لا أعرف لماذا قمت باختياري."

"هذه بالضبط هي الأسباب التي دعتني لاختيارك," قال ذلك مع بعض الجديّة التي بدت على وجهه. "لأنك لا تطمحين إلى العرش وإلى السلطة ولا تريدين هذا المنصب, وأنت لا تعرفين شيئاً عن السياسة."

أخذت جوين نفساً عميقاً بينما أكمل الملك كلامه.

"أنت تعرفين الطبيعة البشرية ولديك إدراكٌ جيّدٌ للأمور, لقد ورثت ذلك مني. لقد ورثت خفة دم أمك منها, ومهارات تعاملك مع الناس مني. تعرفين كيف تحكمين بينهم وتستطيعين أن تري الحق والصحيح من الأمور, وهذا ما يحتاج إليه الملك, معرفة طبيعة الآخرين. ليس هناك شيءٌ آخر تحتاجين إليه أكثر من ذلك. الأشياء الأخرى جميعها تعتمد على الحيلة, معرفة الناس المحيطين بك وفهمهم جيداً, ثق بحدسك وكوني جيدةً معهم. هذا كلّ شيء."

"بالتأكيد يجب أن يكون هناك المزيد من الأمور من أجل حكم المملكة," قالت جوين.

"في الحقيقة لا, كلّ شيءٍ آخر ينبع من هذه الأمور. القرارات تنبع من هذه الأمور."

"ولكن أبي, أنت نسيت بعض الأشياء. أولاً, أنا ليس لدي رغبةٌ في الحكم, وثانياً أنت لن تموت الآن. هذه الأمور كلها تقاليد سخيفة, مرتبطةٌ بيوم الزفاف. لماذا نطيل في هذا الأمر؟ أنا أفضل عدم الحديث في هذا الأمر حتى, أو التفكير به. أنا آمل ألّا يأتي هذا اليوم أبداً في حياتي, وكلّ هذه الأمور لن تكون ذات معنى أبداً."

تنحنح الملك ونظر إليها نظرةً تحوي بعض الملامح الخطيرة.

"لقد تحدثت مع أرجون, وهو يرى مستقبلاً مظلماً بالنسبة ليّ. لقد شعرت بذلك في داخلي ويجب أن أُعدّ لهذا الأمر."

شعرت جوين ببعض الشدّ في معدتها.

"إنّ أرجون رجلٌ مخادع ومجرد ساحر. نصف الأشياء التي يقولها لا تحدث, تجاهل كلامه كلّه ولا تستسلم لتلك الطوالع السخيفة, أنت على ما يرام و ستعيش لفترةً طويلة جداً."

هزّ ماكجيل رأسه ببطء و تمكنت جوين من رؤية الحزن في عينيه, وشعرت ببطنها يشدّ أكثر.

"جويندولين, ابنتي, أنا أحبك. أريدك أن تكوني مستعدةً لذلك, أريدك أن تكوني الحاكم القادم للملكة. أنا جادٌ في ما أقول ولا أطلب منك ذلك, هذا أمر."

كان ينظر إليها مع بجديّة مع قتامة في عينيه, لقد كان ذلك يخيفها. لم يسبق لها أن رأت هذه التعابير على وجه والدها من قبل أبداً.

رفعت جوين يدها وقامت بمسح الدموع التي كانت تسيل من عينيها.

"أنا آسف لم أكن أريد أن أسبب لك ذلك," قال الملك.

"توقف عن هذا الكلام," قالت جوين وهي تبكي. "أنا لا أريدك أن تموت."

"أنا آسف ولكن ذلك ليس بيدي. أريدك أن تجيبيني."

"أبي, أنا لا أريد أن أزيد الأمر سوءً."

"لذلك قولي لي أجل."

"ولكن كيف يمكنني أن أقوم بالحكم؟" قالت له ببعض التوسل.

"إنّ الأمر ليس بهذه الصعوبة التي تتخيلينها, سوف تكونين محاطةً بالمستشارين. القاعدة الأولى هي ألّا تثقي بأحدٍ منهم, فقط ثقي بنفسك, ويمكنك القيام بذلك. تبصّرك للأمور و براءتك, هذا سيجعل منك عظيمةً في المستقبل. سوف تتخذين القرارات المناسبة, أعدك بذلك." قال لها بإصرار.

نظرت إلى عينيه, ورأت كم كان هذا الأمر يعني بالنسبة له. أرادت أن توافق على هذا الأمر, إن لم يكن لأيّة أسبابٍ أخرى, فقط من أجل إرضائه قليلاً و رفع معنوياته.

"حسناً, أنا أعدك بذلك," قالت بعجلة. "هل هذا يشعرك بشعورٍ أفضل؟"

أرجع ظهره إلى الخلف قليلاً, واستطاعت أن ترى الارتياح الكبير الذي ظهر على تعابير وجهه.

"نعم, شكراً لك." قال الملك.

"جيد, هل يمكننا أن نتحدث الآن عن بعض الأمور الأخرى؟ الأشياء التي يمكن أن تحدث على أرض الواقع؟" سألته.

انحنى إلى الخلف وضحك عالياً, لقد بدا و كأن مئات الصخور قد أزيحت عن كاهله.

"هذا هو السبب في أنني أحبك, مبتهجةٌ دائماً وقادرة على جعلي أضحك في جميع الأوقات."

قام بالنظر إليه وهو يتفحصها, كانت تشعر بأنّه يبحث عن شيءٍ ما.

"يبدو أنّك سعيدةٌ بنفسك على غير المعتاد, هل هناك صبيٌّ ما يلوح في الأفق؟" قال الملك.

احمرت جوين خجلاً. وقف ومشت باتجاه النافذة محاولةً تجنب النظر إليه.

"أنا آسفةٌ يا أبي, ولكن هذه أمورٌ خاصة."

"هذا ليس شأناً خاصاً إذا كنت ستحكمين المملكة, ولكنني أردت أن أتطفل عليك قليلاً. على كل حال, أمك طلبت اللقاء معك, وأفترض أنها لن تكون متساهلةً معك أبداً. سوف أدعك الآن ولكن حضّري نفسك لهذا اللقاء."

شعرت ببعض الضيق مرةً أخرى ونظرت بعيداً من خلال النافذة. كرهت هذا المكان بأسره, تمنت لو كانت في أيّ مكانٍ آخر غير هذا المكان, في قريةٍ بسيطة أو مزرعة صغيرة, تعيش حياةً بسيطة برفقة تور. بعيداً عن كلّ هذا, بعيداً عن كل هذه الأمور التي تحاول التحكم بها والسيطرة عليها.

شعرت بيدٍ حنونةٍ على كتفها, استدارت لرؤية والدها الذي كان يقف خلفها ويبتسم في وجهها.

"من الممكن ان تكون أمك شديدةً في بعض الأحيان. ولكن مهما كانت قرارتها اعلمي أنك ستجدينني بجانبك دائماً. في المسائل المتعلقة بالحب, يجب على الشخص أن يختار بحريّة."

ارتفعت جوين قليلاً وقامت باحتضان والدها. في تلك اللحظة كان تحبه أكثر من أيّ شيءٍ آخر. حاولت أن تطرد فكرة شؤم ذاك الثعبان من عقلها, قامت بالصلاة من أجل كلّ شيء تعرفه, و ألّا يكون مقصود بذلك والدها.

*

كان جوين تمشي وهي تلتف وتدور بالممرات المتتالية, مارةً بجانب صفوف الزجاج الملون, وتتجه نحو غرفة والدتها. كانت تكره استدعاء والدتها لها, كانت تكره تلك الطرق التي تتحكم فيها بالأشخاص, كانت والدتها واحداً من الذين يحكمون المملكة بشكل فعليّ. كانت أقوى من والدها في نواحٍ كثيرة, كانت ترفض أن تقوم بأي تنازلات حتى لو كانت بسيطة. وبالطبع المملكة لم يكن لديها فكرةٌ عن ذلك, كانت تبدو بصورةٍ قويّةٍ دوماً و كانت تبدو الشخص الحكيم.

في هذه القلعة, وراء الأبواب المغلقة, كانت ذلك الشخص الذي يلتجئ إليه الجميع للحصول على المشورة. كانت الشخص الحكيم و الذي يحسب حساب كل شيء, الشخص الأكثر صرامة و الذي لا يعرف الخوف. كانت صخرة العائلة, و قامت بإدارة عائلتها بقبضةٍ من حديد. عندما تريد شيئاً ما, خصوصاً إذا وضعت ذلك الشيء في رأسها و اعتقدت أنّه لمصلحة الأسرة, سوف تحرص على الحصول عليه.

و الآن إرادة أمها الحديدية على وشك أن تتجه نحوها, كانت جوين تحضر نفسها للمواجهة. أحست أن أمها على وشك أن تفعل شيءٍ يتعلق بحياتها الرومنسية, كانت تخشى أن يكون قد تمّ رصدها مع تور. ولكنها كانت حسمت أمرها على عدم التراجع مهما حصل. حتى لو اضطرت لمغادرة هذا المكان, سوف تفعل ذلك. كانت والدتها على استعداد لوضعها في زنزانة إذا رأت أن ذلك من أجل رعايتها.

مع اقتراب جوين من حجرة والدتها, تمّ فتح باب البلوط الضخم من قِبل الخادم الذي ابتعد عن طريقها بينما كانت تدخل, ثم أغلق الباب خلفها.

كانت غرفة والدتها أصغر بكثيرٍ من غرفة والدها, وأكثر حميميّة, مع السجاد الكبير و مجموعة الشاي الصغيرة, بالإضافة إلى لوحة شطرنج موضوعة بجانب الموقد المشتعل ومجموعة من الكراسي المخملية الصفراء المصنوعة بدقّة بجانب النار أيضاً. كانت والدتها تجلس على واحدٍ منها وظهرها إلى جوين, على الرغم من أنها كانت تتوقع قدومها. كانت تجلس بمقابل النار وترتشف الشاي, قامت بتحريك واحدةٍ من القطع على لوحة الشطرنج. خلفها كان يقف خادمتان من خدم الملك, أحدهما تقوم بضفر شعرها و الأخرى تقوم بربط الشرائط المتدلية من الجزء الخلفي من فستانها.

"تعالي إلى هنا يا طفلتي," جاء صوت أمها بلهجةٍ شديدة.

كانت جوين تكره تصرف والدتها بهذه الطريقة, عندما تقوم بمعالجة المسائل أمام الخدم. كانت تتمنى أن ترسلهم إلى خارج الغرفة, كما فعل والدها عندما تحدث معها. كان ذلك أقل ما يمكنها فعله من أجل الخصوصية واللباقة. ولكن والدتها لم تفعل شيئاً من ذلك. خلصت جوين إلى أنّ ذلك واحدٌ من مسرحيات القوة التي تقوم بها, الحفاظ على الخدم يحومون في المكان ويستمعون, من أجل أن تبقي جوين منفعلةً وعصبية.

لم يكن أمام جوين خيار سوى أن تعبر المكان وتجلس على أحد الكراسي المخملية المقابلة لوالدتها, بالقرب من النار. إحدى المسرحيات الأخرى التي تقوم بها والدتها من أجل التعبير عن قوتها: أن تبقي زوّارها دافئين جداً, تفاجئهم بتلك النار المشتعلة بالقرب منهم.

لم تنظر إليها والدتها حتى, و بدلاً من ذلك كانت تحدق في لوحة الشطرنج, ثمّ دفعت واحدة من القطع داخل باتجاه المسارات الموجودة.

"دورك," قالت والدتها.

نظرت جوين إلى الأسفل باتجاه لوحة الشطرنج, كانت متفاجئةً من استمرار والدتها باللعب. أشارت والدتها إلى أنها صاحبة القطع السوداء, كانت لم تلعب هذه اللعبة مع والدتها منذ عدة أسابيع. كانت والدتها خبيرةً في لعبة الشطرنج, ولكن جوين كانت أفضل منها في ذلك. كانت والدتها تكره الخسارة, كان واضحاً أنها قامت بتحليل اللعب لفترة طويلة, على أمل أن تقوم بالخطوة الأفضل. والآن بعد أن أصبحت جوين أمامها, قامت بلعبتها.

على عكس والدتها, لم تكن جوين بحاجة لتحليل اللوحة لمدة طويلة. قامت فقط بإلقاء نظرة على لوحة اللعب ورسمت الخطوة الأفضل في رأسها. قامت بمد يدها وحرّكت واحدةً من القطع السوداء إلى الأمام, على طول اللوح. واضعةً والدتها على بُعد خطوةٍ واحدةٍ فقط من الخسارة.

حدّقت والدتها في لوح الشطرنج, ثمّ نظرت إلى جوين بطرف عينها وهي ترفع حاجبها, عرفت جوين أنها تقوم بإفزاعها بذلك. كانت جوين أكثر ذكاءٍ من أمها, و كانت امها تكره ذلك.

تنحنحت أمها وهي تكمل دراسة لوح الشطرنج, دون أن تنظر إلى وجه جوين.

"أنا أعرف كلّ شيءٍ عن مغامراتك مع ذاك الصبي الذي من العامة," قال بسخريّة. "أنت تتحدينني," رفعت رأسها محدقةً بوجه جوين, "لماذا؟"

أخذت جوين نفساً عميقاً وشعرت ببعض الضيق في صدرها, محاولةً تحضير الرد الأفضل لذلك. إنها لن تستسلم, ذلك ليس وقت الاستسلام.

"|أموري الخاصة ليست من شانك؟" ردت جوين.

"ليست من شأني؟ هذا هو عملي. الأمور الخاصة بك سوف تؤثر على الأمور الملكية, على مصير عائلتنا, وعلى الطوق. الأمور الخاصة بك هي أمورٌ سياسة, أتمنى ألّا تنسي ذلك. أنت لست من عامة الشعب, ليس هناك شيءٌ خاص في عالمك, وليس هناك شيءٌ تستطيعين إخفاءه عني."

كان نبرة أمها فولاذيةً و بادرةً, و كانت جوين تلعن كل لحظةٍ جاءت فيها إلى هنا. لم يكن بإمكانها فعلّ أيّ شيءٍ سوى الجلوس هناك و انتظار أمها حتى تنتهي من كل هذا. شعرت بأنها محاصرة.

وأخيراً تنحنحت أمها قليلاً.

"إذا لم تقومي بالاستماع إليّ, سوف اضطر إلى اتخاذ بعض الإجراءات بحقك. لن تقابلي هذا الفتى مرةً اخرى أبداً, إذا قمت بذلك سوف أقوم بنقله من الفيلق كليّاً, ومن البلاط الملكي وسأعيده إلى قريته. ثمّ سأضعه كعاملٍ في المخازن, هو وعائلته كلها, وسيكون غارقاً في العار لذلك, لن تستطيعي معرفة مكانه مرةً أخرى أبداً."

حدّقت أمها في وجهها, وشفتاها ترتجف من الغضب.

"هل تفهمين ما أقول؟" صرخت عالياً.

نفخت جوين بشكلٍ قوي, و لأول مرةٍ أدركت جوين ذلك الشر الكبير التي كانت والدتها قادرةٌ على القيام به, لقد كرهتها أكثر مما كانت تتخيل. كما لاحظت جوين تلك النظرات العصبية من الموجودين, كان ذلك مهيناً.

وقبل أن تتمكن من الرد, واصلت والدتها الكلام.

"إضافةً إلى ذلك, من أجل منعك من التصرف بتهور مرةً أخرى, لقد اتخذت بعض الخطوات لترتيب شراكةٍ منطقيةٍ من أجلك. سوف يتم تزويجك إلى ألتون في اليوم الأول من الشهر القادم, و سوف تبدأ الاستعدادات لحفل الزفاف هذا من الآن. تجهيزك من أجل العيش كامرأةٍ متزوجة هذا هو كلّ شيءٍ الآن," قالت والدتها بحزم, ثمّ أعادت نظرها إلى لوحة الشطرنج و كأنها كنت تذكر للتو بعض المسائل الاعتيادية.

اشتعلت جوين غضباً وحرقةً من الداخل, أرادت أن تصرخ عالياً.

"كيف تتجرئين على ذلك؟" قالت جوين وهي تستشيط غضباً. " هل تعتقدين أنّني إحدى الدمى التي تملكينها, وتقومين باللعب بي؟ هل تعتقدين حقاً أنني سأتزوج من تخبرينني بالزواج منه؟"

"لا أعتقد ذلك," أجابت والدتها. "أنا متأكدةٌ من ذلك. أنت ابنتي وسوف تستجيبين لأوامري. وسوف تتزوجين بالضبط من أقول لك ان تتزوجيه."

"لا لن أفعل ذلك!" صرخت جوين عالياً. "لا يمكنك أن تفعلي ذلك! والدي أخبرني أنه لا يمكنك القيام بذلك!"

"هذه الأمور لا تزال من حق الوالدين في هذه المملكة, أيّ هي بالتأكيد من حق الملك والملكة هنا. مواقف والدك سأتصرف من أجلها, أنت تعلمين جيداً أنّه سيتنازل من أجل الأمور التي أريدها كما يفعل دائماً, لدي طرقيّ لذلك."

حملقت والدتها بوجهها بغضب وأكملت.

"لذلك, كما ترين, سوف تفعلين ما أقوله. هذا الزواج يوف يتم, لا شيء يمكن أن يوقف ذلك. قومي بتجهيز نفسك."

"لن أفعل ذلك أبداً," أجابت جوين. "و إذا تحدثتِ معي بشأن ذلك مرةً أخرى, لن أتحدث معك أبداً."

"لا يهمني إن تحدثتِ إليّ مرةً أخرى أو لا, أنا أمك ولست صديقتك بالإضافة لأنني ملكتك أيضاً. من الجيد أن يكون هذا آخر لقاءٍ بيننا, فهذا لا يهم. في نهاية هذا اليوم ستبدئين بتنفيذ ما أخبرتك به, وأنا سأراقبك من بعيد و أنت تعيشين الحياة التي أخططها لك."

و عادت أمها لمتابعة اللعب.

"أنت مهددة," قالت وهي تلوح بيدها, كما لو كانت جوين خادمةً أخرى من خدمها.

بدأت جوين تغلي من الغضب, ولم تعد تستطيع تحملها أكثر من ذلك. قامت بثلاث خطوات, ثمّ وضعت يديها

أسفل لوح الشطرنج و قامت برمي اللوح باتجاه أمها بكلتا يديها, راميةً قطع اللعب العاجية ولوح اللعب الكبير الذي تحطم إلى قطعٍ صغيرة.

قفزت الأم على قدميها بحالة صدمة.

"أنا أكرهك," قال جوين.

بعد ذلك استدارت جوين بوجهها الأحمر خارجةً من الغرفة, وهي تدفع أيادي الخادمات من أمامها. عازمةً على الخروج من هذا المكان وعدم رؤية وجه والدتها مرةً أخرى.

الفصل السادس والعشرون

مشى تور لعدة ساعات خلال الطرق المتعرجة من الغابة, وهو يفكر بلقائه مع جوين. لم يكن يمكنه إخراجها من عقله ولا للحظة. كان لقائهم هذا خيالياً أكثر مما توقعه, لم يعد قلقاً أبداً بشأن مشاعرها اتجاهه. كان يوماً مثالياً باستثناء ما حصل في نهاية اللقاء بالطبع.

الأفعى البيضاء النادرة جداً التي ظهرت لهما, مع نذير الشؤم الذي جلبته. لقد كانا محظوظين أنها لم تقم بعضهما. نظرت إلى الأسفل باتجاه كروهن المخلص الذي كان يمشي بجانبه, متسائلاً ما الذي كان من الممكن أن يحصل لو لم يكن هناك, لو لم يقم بقتل الثعبان و إنقاذ حياتهما. هل كانا ميتان الآن؟ كان مديناً لكورهن إلى الأبد لإنقاذ حياتهما وعلم أنّ لديه صديقاً موثوقاً لآخر حياته.

ما زال تور يفكر بتلك الأفعى التي أزعجتهم, لقد كانت أفعى نادرةً للغاية وأصلاً لم تكن تعيش في هذا الجزء من المملكة. إنها تعيش في أقصى الجنوب, في الأهوار و المستنقعات. كيف يمكن أن تكون سافرت كلّ تلك المسافة حتى هنا؟ لماذا ظهرت لهم في تلك اللحظة بالتحديد؟ كان ذلك غامضاً جداً, ولكنه كان متأكداً أنّ ذلك كان لعلامةٍ ما. و مثل جوين كان تور يشعر أنّ ذلك نذير شؤمٍ, نذير موتٍ قادم. ولكن لمن؟

أراد تور أن يزيل هذه الفكرة من ذهنه, أراد نسيانها و التفكير بأيّ شيءٍ آخر, ولكنه لم يستطع ذلك. لقد أشعره ذلك بخطرٍ قادم, ولكن لم يخبره بالبقية. علم أنّ عليه العودة مباشرةً إلى الثكنة, ولكنه لم يكن قادراً على ذلك. فهذا اليوم لا يزال يوم عطلة, وبدلاً من ذلك سار لعدة ساعات يمشي من خلال مسارات الغابة المتعرجة, محاولاً تنظيف فكره من كلّ ذلك. شعر بأنّ ظهور الثعبان لهم كان رسالةً عميقةً له فقط, و حثّه ذلك على اتخاذ بعض الإجراءات.

و ممّا جعل الأمر أسوء, رحيل جوين وهي متفاجئة. عندما وصلا إلى طرف الغابة, كانا قد وصلا إلى مفترق الطرق بسرعة, و افترقا بسرعةٍ بعدة كلماتٍ فقط. كانت تبدو مذهولة, افترض تور أنّ ذلك بسبب الثعبان ولكنه لم يكن متأكداً من ذلك. بالإضافة إلى أنها لم تشر إلى أيّ شيء بشأن لقائهم التالي. هل قامت بتغيير رأيها بشأنه؟ هل قام بارتكاب خطأ ما؟

كان التفكير بذلك يمزّقه إرباً, إنّه بالكاد يمكنه معرفة ما عليه القيام به, تجول هناك لعدة ساعات. كان يحتاج لإجراء محادثةٍ إلى شخصٍ يفهم بهذه الأمور, يمكنه تفسير الأمور المتعلقة بالنذير والشؤم.

توقّف تور في مكانه, بالطبع إنّه أرجون. سيكون ممتازاً لهذا الأمر, يمكنه تفسير كل شيءٍ. لقد أراحه قليلاً ذلك.

نظر تور إلى الأمام, كان يقف على الطرف الشمالي من التلال على الحافة, من هنا كان يستطيع أن يرى أمامه مشهداً كاملاً للمدينة الملكية أمامه. كان يقف بالقرب من مفترق طرق. هو يعرف ان أرجون يعيش وحده, في كوخ حجري على المشارف الشمالية من سهول بولدر. كان يعلم أنّه إذا خرج باتجاه اليسار, بعيداً عن المدينة, فأحد هذه الطرق سوف يقوده إلى هناك. بدأ تور بمسيرته متجهاً لهناك.

ستكون هذه رحلة طويلة, و كان هناك احتمالٌ كبيرٌ ألّا يكون أرغون هناك حتى, عند وصوله إلى بيته. ولكنه كان مضطراً لمحاولة ذلك, لم يكن سيهدأ باله حتى يعرف الإجابة على هذا الشؤم.

مشى تور بوتيرةٍ سريعة, محاولاً مضاعفة سرعته, وهو يتجه إلى السهول. كان الوقت قد أصبح في الظهيرة تقريباً, بينما كان يمشي و يمشي. كان يوماً صيفياً جميلاً, و كانت أشعة الشمس تتلألأ على الحقول المحيطة به. كان كروهن يوثب بجانبه على طول الطريق, محاولاً الانقضاض على أحد السناجب بين الفينة والأخرى, و التي أمسك إحداها و حملها في فمه.

أصبح الدرب منحدراً وهبّت بعض الرياح, بينما بدأت المروج تتلاشي أمامه فاسحةً المجال أمامه لأرضٍ مقفرةٍ من الحجارة والصخور. ثمّ تلاشت هذه الأرض أيضاً و أصبح المكان أكثر برودةً و الرياح أقوى, والأشجار أيضاً لاحت بعيداً جداً, وتحول الجو إلى صحراوي. كان المكان غريباً جدا و خالياً من أيّ شيء ما عدا بعض الصخور الصغيرة والحصى التي تُرى بصعوبة و بعض الأوساخ, شعر و كأنه يسافر إلى أرض الضياع. بعد ذلك اختفت الدروب من أمامه تماماً, و وجد تور نفسه يمشي على الحصى والصخور الصغيرة.

بجانبه بدأ كروهن يأنّ قليلاً. كان هناك شعورٌ مخيفٌ يملأ المكان, و شعر تور بذلك أيضاً. لم يكن بالضرورة هذا الجو يحمل الشرّ معه, كان فقط مختلفاً. كبعض الضباب الروحيّ الثقيل.

عندما بدأ تور يتساءل عمّا إذا كان يمشي في الاتجاه الصحيح أصلاً, شاهد في الأفق على أعلى التلّة كوخ حجرٍ صغير. كان الكوخ مدوراً تماماً كشكل الحلقة, مبنياً بالحجارة السوداء والصلبة, كان منخفضا على الأرض. كان له بابٌ واحد على شكل قوس بدون أيّ يدٍ للباب أو مطرقةٍ حتى, و خالياً من أيّة نوافذ. هل من الممكن أن يكون أرغون يعيش هنا, في هذا المكان الموحش؟ هل سيكون متفاجأً لمجيء تور وبدون أيّ دعوةٍ حتى؟

بدأت الكثير من الأفكار تدور في ذهنه, و لكنه أجبر نفسه على متابعة المسير. بينما كان تور يقترب من الباب, شعر ببعض الثقل في الجو, كان ثقلاً جعله بالكاد يستطيع التنفس. بدأ قلبه ينبض بسرعةٍ مع بعض الخوف وهو يمد يده لطرق الباب بقبضة يده.

قبل أن يتمكن من لمس الباب, فُتح الباب من تلقاء نفسه. بدا المكان مظلماً جداً في الداخل, ولم يتمكن تور من معرفة إذا كانت الرياح من تسببت بفتحه. كان الظلام دامساً جداً و لم يكن بإمكانه رؤية إذا كان هناك أيّ شخصٍ في الداخل.

اقترب تور قليلاً دافعاً الباب بلطف, و هو يمدّ رأسه قليلاً إلى الداخل.

"مرحباً؟" صاح تور عالياً.

دفع تور الباب أكثر, بينما كان الظلام يخيّم على المكان, باستثناء بعض النور الخفيف الذي يسطع في آخر المكان.

""مرحباً؟" صاح تور بصوتٍ أعلى. "أرغون؟"

بجانبه كان كروهن يأن قليلاً. شعر تور أنّه قام بفكرةٍ سيئة, كان واضحاً أن أرغون لن يكون في المنزل. ولكنه أجبر نفسه على التأكد من ذلك قبل الذهاب. مشى خطوتين إلى الأمام وعندما فعل ذلك, أُغلق الباب خلفه.

تفاجأ تور بذلك, ولكن هناك على الحائط البعيد كان أرغون.

"أنا آسف لقد أزعجتك," قال تور وقلبه يخفق بشدّة.

"لقد أتيت بدون دعوة أو موعدٍ مسبق," قال أرغون.

"اغفر لي ذلك, لم أكن أقصد إزعاجك." قال تور.

نظر تور في المكان حوله محاولاً التأقلم في المكان, رأى العديد من الشموع الصغيرة الموضوعة على شكل دائرة, المصفوفة على محيط الجدار. كان أغلب الضوء الموجود في المكان قادماً بواسطة شعاعٍ واحدٍ من ضوء قادم من خلال فتحةٍ دائريةٍ صغيرة في السقف. كان هذا المكان ساحقاً وسريالياً وصارخاً.

"لم يتمكن سوى القليل من الناس من أن يكونوا في هذا المكان," ردّ ارجون عليه. "و بالطبع أنت لن تكون هنا الآن لو لم أسمح لك بذلك. هذا الباب لا يُفتح إلا لبعض الناس المقصودين, ومن لا يكون مقصوداً فلن يُفتح له الباب ولو اجتمعت كلّ القوة التي في العالم."

شعر تور بشعورٍ أفضل, وتعجب من كيفية معرفة أرجون بمجيئه. كان كل شيءٍ متعلقٍ بهذا الرجل غامضاً.

"لقد حدث معي موقفٌ لم أفهمه," بدأ تور بالكلام محاولاً إخراج كلّ ما بداخله, وهو يريد الاستماع لرأي أرجون بذلك. "كان هناك ثعبان أبيض, الزيزفون. وحاول مهاجمتنا, ولكنّ شبلي كروهن قام بحمايتنا."

"حمايتنا؟" سأل أرجون.

احمر وجه تور و اكتشف أنّه قال أكثر من اللازم, لم يكن يعرف ما الذي عليه قوله.

"أنا لم أكن وحيداً," قال تور.

"و من كان معك؟"

رُبط لسان تور, لم يكن يعرف إذا كان يجب أن يخبره أو لا. ففي النهاية يبقى هذا الرجل مقرباً من والدها, الملك, ومن الممكن أن يخبره بالأمر.

"أنا لا أرى أيّ علاقةٍ لهذا الأمر بالثعبان الذي ظهر لي؟"

"بالتأكيد له علاقة, هل تساءلت عمّا إذا كان ذاك الشخص الذي معك هو السبب في ظهور الثعبان؟"

شعر تور أنه حُصر تماماً.

"أنا لا افهم," قال تور.

"ليس كلّ فأل تراه بالضرورة أنت المقصود فيه, قد يكون يستهدف بعض الأشخاص الآخرين."

بدأ تور يتفحص أرجون في الضوء الخافت, بدأ يفهم الأمر. هل مقدرٌ لجوين أن تواجه بعض الشر؟ و إذا كان الأمر كذلك, هل يمكنه إيقاف هذا الأمر؟

مشى أرجون ببطء, متجولاً في هذه الغرفة.

"بالطبع, هذا هو السؤال الذي نُسأل عنه دائماً منذ عدة قرون," أجاب أرجون. "هل يمكن تغيير القدر؟ من جهة كلّ شيءٍ مقدرٌ بشكل مسبق. ومن جهةٍ أخرى, لدينا حريّة التصرف, خياراتنا أيضاً تحدد مصيرنا. في الظاهر يبدو من المستحيل لهذين الأمرين, القدر والإرادة الحرة, العيش معاً وجنباً إلى جنب, و لكنهم في الواقع كذلك. عندما يتقابل هذان الأمران, القدر والإرادة الحرة, يتدخل السلوك البشري في الأمر هنا. لا يمكن أن يكسر القدر دائماً, ولكن يمكن مواجهته أو حتى تغييره, من خلال تضحيةٍ كبيرة أو قوةٍ ضخمة من الإرادة الحرّة. مع أنّه في أغلب الأحيان يكون القدر هو المُتحكم. غالباً ما نكون نحن مجرد مشاهدين, تمّ وضعنا هنا لمشاهدة القدر يتحكم بنا. نعتقد أنّ لنا دوراً في هذا, ولكن في الحقيقة ليس كذلك. نحن في الغالب مجرد مراقبين و لسنا مشاركين.

"إذا كان الأمر كما تقول لماذا الكون يتكّلف عناء إظهار بعض النّذر أو الفأل لنا, إذا لم يكن هناك أيّ شيءٍ يمكننا القيام به حيال ذلك؟"

التفت إليه أرجون وابتسم.

"أنت صبيٌّ متسرع, سوف أخبرك. في الغالب تظهر لنا هذه الدلائل كي نعدّ أنفسنا. يتمّ إظهار مصيرنا لكي نأخذ بعض الوقت للاستعداد. في بعض الأحيان, أو حتى نادراً, نُعطى بعض العلامات كي نتمكن من اتخاذ الإجراءات اللازمة, لتغيير الذي سيحصل. ولكنّ هذا أمرٌ نادرٌ جداً."

"هل صحيح أن ثعبان الزيزفون يُنبّأ موت؟"

نظر إليه أرجون بتمعّن.

"إنه كذلك, ذلك صحيح دون أيّ احتمالٍ آخر." قالها أخيراً.

خفق قلب تور بشدّة مع هذه الإجابة, لقد تأكدت مخاوفه. وتفاجأ أيضاً من إجابة أرجون الدقيقة هذه.

"لقد واجهت واحداً اليوم, ولكن لا أعرف من الذي سيموت. أو إذا كان هناك بعض الإجراءات التي يمكنني اتخاذها لمنع ذلك. أريد إخراج هذا الأمر من ذهني ولكنني لا أستطيع, دائماً صورة ذلك الثعبان تبقى عالقةً في رأسي. لماذا؟"

غرق أرجون في التفكير لبعض الوقت, ثمّ تنهّد.

"إنّ من سيموت, سيكون له تأثير مباشرٌ عليك. سوف يكون لذلك تأثيرٌ على مصيرك."

كان تور يزداد انفعالاً, شعر أنّ كل إجابةٍ تولد لديه المزيد من الأسئلة.

"و لكن هذا ليس عدلاً, أريد أن أعرف من الذي سيموت. أريد تحذيرهم."

ببطء, أومأ أرجون برأسه بالنفي.

"قد يكون الأفضل لك ألّا تعرف من, و إذا عرفت من الممكن أن تبقى غير قادرٍ على فعل شيءٍ حيال هذا الأمر. لقد وجد الموت فريسته, حتى لو قمت بتحذير ذاك الشخص."

"إذاً لماذا ظهر هذا النذر لي؟ و لماذا لا يمكنني إخراجه من رأسي؟" سأل تور و هو متضايقٌ من الأمر.

خطى أرجون عدة خطواتٍ إلى الأمام باتجاه تور, أصبح قريباً جداً و على بُعد عدة بوصاتٍ فقط. شدة بريق عينيه كانت تجعلهما لامعتين في هذا المكان الخافت, كان ذلك يخيف تور. كان مثل النظر إلى الشمس, و لم يكن بإمكان تور فعل شيءٍ سوى النظر إليهما. رفع أرجون إحدى يديه و وضعها على كتف تور, كانت باردةً جداً و أرسلت قشعريرةً سرت في جسم تور.

"أنت شاب," قال أرجون ببطء. "أنت لا تزال تتعلم, و أنت تشعر بشيءٍ عميقٍ جداً في داخلك. رؤية المستقبل مكافأةٌ كبيرة, و لكن يمكن أن تكون نقمةً كبيرةً أيضاً. معظم الناس يعيشون دون أيّ إدراكٍ لمصيرهم, وليس لديهم أي وعيّ لذلك. في بعض الأحيان يكون الشيء الأكثر إيلاماً هو أن تكون على بينةٍ من قدرك, على بينةٍ بما سيحصل. أنت حتى الآن لم تبدأ بفهم قدراتك, و لكنك ستفهم ذلك في يومٍ ما. بمجرد أن تفهم من أين أنت؟"

"من أين أنا؟" سأل تور بتعجب.

"وطنك الأم, بعيدٌ من هنا. من وراء وادي كانيون, من المناطق الخارجية للبراري. هناك يوجد قلعة, مرتفعةٌ في السماء. تقبع وحيدةً هناك على منحدر, و للوصول إليها أنت تمشي على طول طريق حجري متعرج. إنّه طريقٌ سحريّ, يشبه الصعود إلى السماء, إنّه مكانٌ للقوى العميقة. ذاك هو المكان الذي نتحدر منه. من المستحيل أن تفهم كل شيءٍ تماماً حتى تصل إلى ذاك المكان. وبمجرد قيامك بذلك, سوف تحصل على إجاباتٍ لجميع أسئلتك."

رمش تور بعينيه, وعندما فتحهما وجد نفسه واقفاً خارج كوخ أرجون, وهو في دهشة. ليس لديه أيّة فكرةٍ كيف حصل ذلك و وصل إلى هنا.

كانت الرياح تدخل إلى حلقه الجاف, وهو يحدق بعينيه نصف المغمضتين بأشعة الشمس القويّة.

وبجانبه كان يقف كروهن وهو يزمجر.

استدار تور و رجع إلى باب كوخ أرغون, و قرع الباب بكل قوّته. ولم يأتي أيّ ردٍ من الداخل سوى الصمت.

"أرغون!" صرخ تور عالياً.

و لكن لم تأته إجابةٌ سوى من صفير الرياح.

حاول أن يفتح الباب, وضع كتفه عليه و دفعه بقوة, ولكن الباب لم يتزحزح من مكانه أبداً.

انتظر تور وقتاً طويلاً, لم يكن متأكداً من الوقت الذي انتظره حتى في النهاية جاءت نهاية النهار. و أخيراً أدرك أن وقته هنا قد انتهى.

التفت تور و بدأ بالمشي مرةً أخرى إلى نهاية المنحدر الصخري, وهو يتساءل عن الذي حصل معه. كان يشعر بالغموض أكثر من أيّ وقتٍ مضى, و شعر أيضاً بأنّ هناك موتٌ قادمٌ لا محالة ولكنه عاجزٌ عن فعل أيّ شيءٍ مقابل ذلك.

وبينما كان يقطع هذا المكان الموحش ماشياً على قدميه, بدأ يشعر ببعض البرد الذي يسري في كاحليه و رأى أن الضباب بدأ يتشكل أيضاً. ارتفع الضباب عالياً و ازداد سمكاً أكثر من أيّ لحظةٍ مضت. لم يفهم تور ما الذي كان يحدث, بينما كروهن يأن بجانبه.

حاول تور زيادة سرعته, لمتابعة طريقه إلى أسفل الجبل, ولكن خلال عدة دقائق ازداد الضباب الذي كان في المكان جداً, وأصبح بالكاد يستطيع أن يرى ما أمام عينيه. وفي نفس الوقت أحسّ أن أطرافه تصبح ثقيلةً جداً و السماء تصبح مظلمةً, كما لو كان ذلك بفعل سحرٍ ما. شعر تور بأنّ طاقته استنزفت ولم يعد بإمكانه المشي أيّ خطوةٍ أخرى. أحيط تور بكرةٍ لولبيةٍ على الأرض, تماماً حيث كان يقف, تلفه بضبابٍ كثيف. حاول أن يفتح عينيه, كي يتحرك من مكانه, و لكنه لم يستطع أبداً. وخلال لحظات كان غارقاً في نومٍ عميق.

*

رأى تور نفسه واقفاً على أحد الجبال, و هو يحدق بمملكة الطوق بكاملها من هذا المكان المرتفع. أمامه كان البلاط الملكي و القلعة و الحصون و الحدائق و الأشجار و التلال على مدّ عينيه, جميعها كانت مزهرّةً بشكل كامل. كانت الحقول ممتلئةً بالفواكه و الأزهار الملونة, وكان هناك صوت موسيقى و احتفالات,ولكن بينما كان تور يحدّق بكلّ شيءٍ حوله, بدأ العشب يتحول إلى اللون الأسود, والفواكه تتساقط عن الأشجار, ثمّ الأشجار نفسها ذبلت إلى لا شيء. جميع الأزهار ذبلت إلى أوراقٍ جافة صغيرة, و مما زاد رعبه, أحد المباني التي كانت أمامه بدأت بالانهيار. بدأت المملكة كلها بالتداعي و تحولت إلى خراب و أكوام من الحجارة و الركام.

نظر تور إلى الأسفل و رأى ثعبان زيزفون ضخمٍ جداً يسعى بين قدميه فجأة. كان واقفاً هناك دون حولٍ ولا قوة, والثعبان يلتف حول ساقيه ثمّ وسطه ثمّ ذراعيه. شعر بنفسه يبدأ بالاختناق, وبدأ يفارق الحياة. بينما كان الثعبان قد لفّه كاملاً و هو يرفع رأسه ويضع وجهاً لوجه أمام تور على بعد عدة بوصات فقط وهو يهسهس, ولسانه الطويل يقترب ويلمس خدّ تور. وبعد ذلك, فتح فمه بأقصى ما يستطيع, وكشف عن أنيابه الضخمة ثمّ اقترب إلى الأمام وابتلع رأس تور.

صرخ تور بشدّة, بعدها وجد نفسه يقف وحيداً داخل قلعة الملك. كان المكان فارغاً تماماً, لم يترك أيّ كرسي أو شيءٍ في مكانه. كان سيف القدر موضوعاً على الأرض, دون أن يمسّه أحد. النوافذ جميعها محطمة, و الزجاج الملون مرمىً على الأرض. سمع تور صوت موسيقى من بعيد, التفت نحو الصوت ومشى باتجاهه, غرفةً فارغةً تلو غرفة. وأخيراً وصل إلى بابٍ مزدوجٍ ضخم, طوله مئة قدم, قام بفتحه بكلّ قوته.

وقف تور عند مدخل قاعة الولائم الملكية. امتدت أمامه طاولتان ضخمتان من الولائم, على طول الغرفة, بفيض من الطعام المتنوع, ولكنها خاليةً من الرجال. في نهاية القاعة البعيدة كان هناك رجلٌ واحد, الملك ماكجيل. يجلس على كرسيه ويحدق بتور من بعيد, لقد بدا بعيداً جداً.

شعر تور أنه يجب عليه الذهاب إلى الملك. بدأ بالمشي عابراً القاعة الكبيرة نحوه, بين طاولتي الولائم الكبيرتين. بينما كان يمشي, كان جميع الطعام الذي على جانبيه يصبح فاسداً, مع كل خطوةٍ كان يخطوها, كان يتحول إلى الأسود ويغطى بالذباب على الفور. حلق الذباب في المكان كله فوق الطاولات, وهو يتغذى بذلك الطعام الفاسد.

مشى تور بسرعةٍ أكبر. حين أصبح بينه وبين الملك بالكاد عشرة أقدام, ظهر أحد الخدم فجأةً, خرج من أحد الغرف الجانبية حاملاً بيده كأساً ذهبياً من النبيذ. كان الكأس مميزاً جداً, مصنوعٌ من الذهب الخالص و مرصّعٌ بصفوف من الياقوت و المرجان. رأى تور ذلك الخادم يمسك يسكب بعض المسحوق الأبيض داخل الكأس و أدرك أنّ ذلك كان سُماً, بينما لم يكن الملك يرى أيّ شيءٍ من ذلك.

أحضر الخادم الكأس إلى الملك, تناول ماكجيل ذاك الكأس بكلتا يديه.

"لا!" صرخ تور.

اندفع تور إلى الأمام بسرعة, محولاً ضرب كأس النبيذ بعيداً عن يديّ الملك.

لكنه لم يصل باللحظة المناسبة, كان قد شرب ماكجيل الكأس دفعةً واحدة. انسكب بعض الشراب على أسفل ذقنه وعلى صدره, كان قد شرب الكأس كاملاً.

رفع ماكجيل رأسه و نظر إلى تور, و فتح عينيه جداً. رفع الملك يديه إلى الأعلى و أمسك برقبته, كان الملك يختنق. أمال الملك رأسه مغمياً عليه و مال إلى اليمين ثمّ سقط عن كرسيه. نزل على الأرض الحجرية الصلبة, بينما سقط تاجه عن رأسه على الأرض مع صوت رنّة, ثمّ تدحرج عدة أقدام.

Возрастное ограничение:
16+
Дата выхода на Литрес:
10 октября 2019
Объем:
242 стр. 5 иллюстраций
ISBN:
9781632910967
Правообладатель:
Lukeman Literary Management Ltd
Формат скачивания:
epub, fb2, fb3, ios.epub, mobi, pdf, txt, zip

С этой книгой читают